في مجتمع الشرق الأوسط، غالبًا ما يُنظر إلى الهجرة على أنها فعل الابتعاد عن الوطن نحو ما هو أجنبي. وذلك ظاهر، بالنظر إلى هجرة العقول التي تعاني منها منطقتنا منذ عقود. ومع ذلك، قد يكون هذا التعريف مشكلة لأنه يتطلب من الشخص تحديد ما هو الوطن
إذا تم تعريف الوطن على أنه المكان الذي يولد فيه المرء، فإن لبنان ليس وطني. إذا تم تعريف الوطن على أنه المكان الذي يقضي فيه المرء الخمسة عشر عامًا الأولى من حياته، فإن لبنان ليس وطني أيضًا. ومع ذلك، فأنا بلا شك أعرّف لبنان على أنه وطني. إذن هل أنا مهاجر؟ لقد هاجرت بعيدًا عن المكان الذي عشت فيه معظم حياتي، ليس نحو الخارج، بل نحو الوطن. لذلك، أرى أن هوية المهاجر أمر ثقيل. الوطن هو هوية شخصية تتجاوز الأوراق والتسميات. في المقابل، سواء جاءت التعريفات من خلال الدم أو الأسرة أو الاقتناع الشخصي، فإن فعل الهجرة مرن نسبيا لأنه يستلزم تغيير الهوية
نقطة رئيسية أخرى تتبادر إلى الذهن هي أن الخط الفاصل بين النزوح والهجرة الطوعية أصبح أكثر ضبابية في عصرنا الحالي. أن تكون نازحًا هو أن تُجبر على الابتعاد عن وطنك، بينما يُنظر إلى الهجرة غالبًا على أنها عمل إرادي. ومع ذلك، احيانا لا يستطيع السكان أن يعيشوا حياة سعيدة في الوطن، أفلا يكون نزوحهم شكلاً من أشكال التهجير؟ مع ازدياد عدم استقرار الوضع في لبنان، تنتشر الرغبة المتوهجة في المغادرة بشكل أسرع بسبب جائحة الفيروس. في الواقع، أولئك الذين يرغبون في البقاء ينظر إليهم بعيون ساخرة ومرتبكة. يقودني هذا إلى طرح السؤال التالي: في أي مرحلة تصبح الهجرة نزوحًا؟
على الرغم من أنني قد لا أملك الإجابة على هذا السؤال، فأنا أعلم أننا سنميل دائمًا إلى وصف هجرتنا بأنها طوعية وليست قسرية. نظرًا لأن عملية البحث عن ملجأ بعيدًا عن عدم الاستقرار أصبحت وصمة عار، فإن الأشخاص المهجرين قسرًا يتعرضون للتهميش والكراهية. يقف لبنان في المنتصف: ملجأ غير مرحب به إلى حد ما للنازحين السوريين، وفي الوقت نفسه، موطن لملايين المهاجرين الذين يغادرونه بحثًا عن الاستقرار والمعيشة الأساسية. عندما نغلق أبوابنا في وجه أولئك الذين يفرون من عدم الاستقرار، فإننا نغلق أذهاننا عن حقيقة أننا أيضًا من يتم تهجيرهم. وهنا يولد شكل من أشكال التناقض المعرفي
نسأل: هل نرحل أم لا نرحل؟ لا نسأل: هل البقاء خيار أصلا، إذا كنا نرغب في العيش بسعادة؟ تنشأ المعضلات من هذا التناقض، حيث نعتقد أن هجرتنا طوعية. عندما لا نرى القوة الساحقة تشردنا، فإننا نحاسب أنفسنا على التخلي عن بلدنا. أقول لكم يا من تواجه هذه المعضلة: أنت لست ذرة ضمن مجمل، بل فرد في مجمله
على المستوى الشخصي، سمح لي التعرف على احتياجاتي ورغباتي الفردية بالتصالح مع الهجرة، وفصلها عن عبث المجتمع واحتضان الجمال الخفي للتغير المستمر غير المبرر. مع إعادة تشكيل محيطي باستمرار – سواء عن قصد أو عن غير قصد – لدي أسباب لا حصر لها تمامًا تدفعني لاستكشاف الهويات الجديدة وبناءها